طعام أم مال ؟؟
الجدل الموسمي لزكاة الفطر
في كل عام ومع قرب حلول العشرة الأواخر في رمضان يبدأ
مراثون الجدل في حكم إخراج زكاة الفطر نقدا أم طعام!!
وللأسف فإن الكلام من
المتصدرين لهذه المسألة سلبا أم إيجابا مما يفتقر لمنهجية البحث العلمي، ومن هنا
كان لا بد من لمسات وكلمات لا أريد فيها بيان الحكم وإنما بيان طريق الإستدلال
وحقيقة الخلاف.
أولا : نص الحديث في المسألة
عَنِ ابْنِ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ
شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ، أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ المُسْلِمِينَ
رواه البخاري.»
أما فعل الصحابة بعد هذا الحديث فكان كما في البخاري : عَنْ عِيَاضِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ العَامِرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ
أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ
الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ،
أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ»
ثانيا
: هل الحديث نص في المسالة في الطعام أم لا ؟
يقال عمل
العلماء على أن الحديث ليس نصا في المسألة وهذا هو عمل السلف في ذلك بدليل أن
القائلين أن زكاة الفطر طعام فقط قد حملوا مذهب التعليل في الحديث فحصروا الطعام
على المقتات المدخر فنراهم يفتون بالأرز وهم يعلمون أنه ليس موجودا في الحديث فهذا
أكبر دليل على أنهم سلكوا مسلك التعليل وأن الحديث ليس نصا في المسألة ، وكذا من
يقول بقول إخراجها مالا فهو ناظر إلى مقصود الحديث وعلته فهو أيضا ناظر لمسلك
التعليل والتاويل .
فبالتالي
الحديث ظاهر لكل فريق لا نص ، بمعنى أنه دائر بين الراجح والمرجوح وفق ظن المجتهد.
ثالثا
: هل يؤثم من يقول بإخراج زكاة الفطر نقدا
عند من يرى منع النقد
لا يؤثم من
أفتى الناس بالنقد في زكاة الفطر ولو خالف غيره ما دام مجتهدا لحديث النبي صلى
الله عليه وسلم {إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطا فله اجر واحد}
وعليه فلا إثم عليه لاجتهاده بل له الأجر بإذن الله تعالى ولم يقل أحد من علماء
أمة الإسلام المتبوعة بأنه آثم ، هذا لم يظهر إلا في هذه الأزمان مع خروج المفتي
الفيسبوكي!
رابعا
: الرد على من استدل أن إخراج غير الطعام فيه مخالفة النص لأن النص لا يحتمل غير
ذلك!
1- نص الحديث
على أربعة أصناف فإن كان هناك نص لا يحتمل غيره فسنقصر الأصناف في زكاة الفطر على
أربعة أصناف ووقتها فلنقصر إذن الربا في الأصناف الربوية المذكورة في الحديث وليكن
أيضا لا يوجد ربا في الأموال النقدية لأنه لم تذكر في الحديث وهذا مع أنهم لا
يقولون به لكنه لازم لهم في قولهم هذا.
2- فإن قالوا
الحديث في رواية قال أنه طعام ونحن نفتي الناس بإخراج الطعام والرز طعام
فيجاب عليهم بأن
لفظة (طعام ) تشمل أمورا كثيرة أنتم لا تقولون بجواز إخراجها مثال ذلك اللحوم
والدجاج والماء وغير ذلك من المأكولات والمشروبات ولتكن زكاة الفطر وقتها عزيمة في
مطعم أحاسب عليها بعد الانتهاء !!
وهم لا يقولون
بغير المقتتات والمدخر فبطل استدلالهم في الحديث بأنه نص في المسألة وظهر أنه
يرجحون جانبا في الحديث ويرون علة ظاهرة فيه وهذا ما نريده لهم أن يجعلوا الحديث
والمسألة داخلة في قسم الظاهر المتردد بين الراجح والمرجوح الذي لا يعادي عليه ولا
يوالي ولا يقسم الناس بناء عليه
خامسا
: الرد على من منع الطعام واعتبره جمودا في الوقت الحاضر وأن إخراجها مال واجب
يقال لهؤلاء
1- الشرع يحكم
على الواقع وليس الواقع يحكم على الشرع فما جاز في زمن الصحابة يجوز لنا الآن أما
إحداث سبب جديد وهو المصلحة للفقير وإدخاله للسبب الشرعي وإضعاف السبب الشرعي فهذا
فيه أنسنة الشريعة وان الشريعة تتبع الطبائع الإنسانية !
سادسا
: الإنكار في مسائل الاجتهاد مرتبة علمية لا تجوز للمقلدين
لو طالعنا في
كتب الأصول لوجدنا ما من كتاب إلا ويبين أن الإنكار لا يكون في المسائل المقبولة
المعتبرة وأن المنكر لغيرها لا بد أن يكون عالما
فإن سئل
العالم ما هي المسائل غير المعتبرة التي يحرم مخالفتها وعلى العالم إنكارها
فيقال جوابا
على ذلكما خالف نصا أو إجماعا أو قاعدة فقهية أو قياسا جليا فإنه يرد من العلماء .
سابعا
: هل يؤخذ بالاحتياط في مثل هذه المسائل
لم يعهد عن
السلف أنهم يأخذون بالاحتياط في مثل هذه المسائل بل المعهود عنهم أنهم يفتون بما
في ظنهم أنه مقصود الشارع ، أما إن قلنا إن الاحتياط هنا لا بد من استحضاره فيقال
أما العالم فيفتي الناس بما في ظنه وإلا لشدد على الناس في ما سهله الله عليهم ،
أما العامي المقلد فليس له الحق في الإنكار على غيره بالاحوط وإنما يستعمل الأحوط
إن شاء في نفسه بعد دلالة مفتيه على ذلك.
ثامنا:
خاتمة مهمة
لا بد أن يعلم
أخيرا أن العامي يسأل مفتيه فبما يجيبه يتبعه لقول الله {فاسألوا أهل الذكر إن
كنتم لا تعلمون} اما مرحلة إنتقال العامي من مرحلة السؤال إلى مرحلة الإنكار فهذا
فيه اقتحام لساحة المجتهدين وتطلع لسلب منصب العلم منهم!
فليتعلم
الواحد منا دينه وأصوله وطرق الجدل الشرعي وكيفية إبطال أقوال الخصوم ثم له الحق
كاملا بعدها في الاعتراض ولن نسمع هذا الطرح المتهافت عندها
خذ ما شئت
واترك ما شئت لكن بعلم
يزن فايز
الكلوب
2/5/2021هـ
20-رمضان 1442